لم تقدم لنا كتب التراجم الكثير عن القلقشندى. لكنه قد درس بالقاهرة والأسكندرية على يد أكابر شيوخ العصر، وتخصص في الأدب والفقه الشافعي وقد برع في علوم اللغة والبلاغة والإنشاء.
ولفتت براعته في الكتابة والإنشاء أنظار رجال البلاط فعمل في ديوان الإنشاء، وهو ديوان لا يعمل فيه إلا العارف بشئون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية وسير العلاقات بين مصر وباقي الأمم.
ويتعلق عمله فيما يعرف الآن بمراسم البروتوكول والمراسلات الدبلوماسية. ولبث القلقشندى أعواماً يعمل في ديوان الإنشاء، وفي تلك الفترة خطرت له فكرة وضع مؤلفه الكبير "صبح الأعشى في صناعة الإنشاء" حول ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وما يقتضيه هذا العمل من أصول ورسوم وأساليب.
وقد رتب كتابه أو بالأحرى موسوعته في مقدمة وعشر مقالات تملأ جميعاً أربعة عشر مجلداً ضخماً. وقد إعتمد على المحفوظات المصرية من مختلف الوثائق والمراسلات السلطانية والدبلوماسية التى تكدست في ديوان الإنشاء خلال العصور المتعاقبة، هذا إلى جانب رجوعه لبعض المراجع التى كتبت في هذا الموضوع قبله.
وإن يكن من الجائز عدم إعتبار القلقشندى مؤرخاً بالمعنى الدقيق فإنه يقدم إلينا بالنسبة لمصر بنوع خاص مجموعة عظيمة من الوثائق الإدارية والسياسية والتى تلقى أعظم أضواء على مختلف النظم التى قامت عليها الدول الإسلامية المصرية المتعاقبة ومختلف العلاقات التى كانت تعقد بين هذه الدول المصرية المتعاقبة ومختلف الدول التي عاصرتها.