ما دُعينا هباء بدول العالم الثالث, ألا ليتنا بقينا في المستوى الثالث, بل لا ننفكّ نهبط هبوطا؛ استثناء لبعض المتنوّرين في نصف الكرة الأرضية الشرقي و وسطها, لقلت بأن داروين أخطأ بتراتبيّة التطور لديه, فالإنسان الغبي المتشدّق بمصالح فرديّة توقف فلاح أمّته و وطنه, ليس بإنسان تجاوز الطور القردي, بل هو إنسان لم يزل أمامه الكثير الكثيـر ليصل حتـّى إلى مستوى القردة, من يحاول إثبات هذه المزاعم, هي أميركا, بسياساتها, قراراتها, تصرّفاتها و كينونة إدارتها, و للعلم, لا تقل هذه الإدارة غباء عن مثيلاتها في الدول المتخلـّفة, لكن لمّا لم تجد من يقف بوجهها في سبيل تحقيق مصلحته الشخصيّة هو نفسه, عاثت هذه الإدارة في الأرض فسادا, و لم تزل.
مدعاة هذه المقدّمة, هو استفحال التخلـّف الفكري و الجهل المتقع, المُمعن في تثبيطنا, و ما سببه, إلا انعدام الاطلاع و المـُطالعة و القراءة, الثقافة أرخص ما في وطني, الثقافة الأقل كرامة في وطني.
من يستغل هذا الغباء الفاحش؟ قطب أوحد وحيد : الولايات المتحدة الأميركية.
أكثر الدول امتلاكا للقواعد العسكرية في العالم هي أميركا, و لهذا علاقة وثيقة بما يحدث في أفغانستان و باكستان, بغية تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الجار الأبيض روسيا, و تنطلي المزاعم الأميركية بمحاربة الارهاب على معظم أمم العالم, و بكل فخر, نحن نحتل المرتبة الأولى بهكذا انطلاء, الوطن الذي تنطلي عليه معظم الأكاذيب الأميركية, هو عالمنا العربي, الذي يدفع فعليا ثمن كل ما تدور حوله رحى الحرب على الارهاب.
الكذب الأميركي و التلفيق لاحتلال العالم بهمجيّة تُدعى "الفوضى الخلّاقة" بات أمرا معلوما, بدءا من احتلال افغانستان, مرورا باحتلال العراق بحجة امتلاك التقنية النووية و أسلحة التدمير الشامل – و ما وُجـِد شيئا في العراق, في لبنان, السودان, جورجيا و غوانتانامو, فريق من الدجّالين لم يقف أحد في وجهه, يحاول أن يسيطر و يتحكم بالعالم, يبني سياسته تارة بناء على رؤى دينية, و أخرى بناء على تقارير استخباراتيّة ما فتأت تثبت فشلها و أنها ملأى بالأخطاء القاتلة.
"النيويورك تايمز" نشرت في شهر آذار مقالا فحواه يدور حول تقرير سرّبه لها المكتب القومي في إدارة الرئيس بوش, و هي إدارة تلوّح بمقتها للحروب, و تـُبدل التسميات باستراتيجيات السلام, مـفاد هذا التقرير أن حركة طالبان في أفغانستان تتلقى مساعدات مباشرة من هيئة الاستخبارات الباكستانية برئاسة قائدها الجنرال "أشفق كياني", و برغم التحقق من صوابية هذا التقرير, الذي ثـَبـُتـَت صحته, لم تتوقف الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات العسكرية و "الإنسانية" لباكستان, و آخرها في تموز الماضي و التي بلغت ملياري دولار كمساعدة عسكرية, و أربع مليارات كمساعدة إنسانية, حتى أن موافقة الكونغرس على منح هذه المساعدة لم تقترن بأي تحذير أو توبيخ لجهة المنح الباكستاني المباشر لطالبان!, رغم أن سيناتورا أميركيا يدعى "كارتر" حاول التهديد بتقديم اقتراح مشروع يتبنـى تعليق هذه المساعدات لباكستان إن لم تقترن بالتعهد الباكستاني بعدم تقديم المساعدات للطالبان, لكن أ ُسكـِت هذا السيناتور, و لا ندري كيف !!!
لهذه القضية علاقة وثيقة بالمصالح الأميركيّة, طالما أن لأميركا مصالح بالبقاء في أفغانستان, أو على الأقل لقواعدها العسكرية بمواجهة الدب الروسي, ينوط هذا البقاء بالخطر الأصولي الطالباني الذي يهدد العالم و أمنه, بحسب الادعاءات الأميركية, و لطالما أن المساعدات الأميركية تبقى قائمة لباكستان, التي بدورها تقدم المساعدة لحليفتها طالبان في أفغانستان, ستبقى طالبان حيّة تـُرزق, خاصة أن أميركا لم تعلق منحها المساعدات لباكستان بشرط انعدام المساعدة الباكستانية لطالبان, أي يؤدي :
أميركا تساعد حليفتها باكستان مباشرة؛ باكستان تساعد حليفتها طالبان في أفغانستان مباشرة ==> أميركا تساعد غريمها الطالباني في أفغانستان!!
لا تستطيع باكستان فكّ تحالفها الحيوي مع طالبان في أفغانستان, و لهذا الادعاء ما يؤيده, ففي حال خروج قوّات حفظ السلام العالمية من أفغانستان, تحرص باكستان كل الحرص على بقاء ذراعها الطالباني ممدودا في أفغانستان, تجنبا لوصول اليد الهندية و استيلائها على الأمور في البلاد المستقلة حديثا – أفغانستان .
من السهولة بمكان التأكيد على أن أميركا تعلم هذا تمام العلم, رغم هذا, لم تزل مليارات الدولارات تـُقدّم كمساعدات لحليفتها الباكستانية – و غريمتها الحركة الطالبانية .
أميركا تثبت مقولة : حليف حليفي هو حليفي, بشكل أو بآخر !!!