تعدد معاني كلمة: دادا
في لغة الشاعر تريستان تزارا الرومانية تعني: أجل.. أجل. وفي الفرنسية إشارة إلى لعبة من لعب الأطفال علي شكل حصان خشبي هزاز وتستعمل الكلمة في الألمانية للدلالة علي السذاجة والغفلة والإيطاليون يطلقونها علي زهرة النرد وأحيانا الأم. وفي بعض مناطق أفريقيا السوداء يسمون ذنب البقرة المقدسة: دادا. وفي الكثير من اللهجات العامية العربية تسمي المربية ومرضعة ولد غيرها :دادة.
أندريه ماسون - Andre Masson
في منتصف السبعينات اكتسحت إحدى أغاني البوب الشعبية قوائم المبيعات لفترة طويلة وفي جميع أنحاء العالم أغنية تقوم علي ترديد كلمة واحدة فقط هي: دادا. مما دفع الفنان المصري الكوميدي الظريف: محمد عوض إلى إلباس هذه الأغنية كلمات مصرية تدور حول عربة رش المياه في الشوارع أثناء الصيف.
الملتقي الأول للدادائيين
تأسس هذا الملتقي تحت اسم: كاباريه فولتير ليسلي رواده ويقدم لهم أوجهًا من النشاطات الفنية والأدبية للسخرية من الحرب والنعرات القومية. ويعرض تاريخ هذه الحركة أيضا إلى رجل ينتمي إلى بلد المفكرين والشعراء والموسيقيين الكبار (ألمانيا) رجل طويل القامة بإفراط هزيل البنية اسمه: هوغوبال جاء إلى سويسرا عند نشوب الحرب العالمية الأولي مع صديقته: إيمي هينغز التي تجيد الغناء وإلقاء الشعر. أما هوغوبال نفسه فكان فيلسوفا وروائيا وشاعرا وصحفيا وصوفيا وهو في كلمتين (صعلوك مثقف) وعندما لاحت لهذا الصعلوك فكرة إنشاء هذا الملتقي أتصل بشخص يدعي: أفرايم يمتلك صالة ليلية باسم: مييري ليجعل منها: ماخور ثقافي إذا جاز التعبير. فلبي: أفرايم طلبه وعلي الفور ذهب هوغوبال إلى معارف له من الشلة الدادائية وأخذ يقول للواحد منها:
هل لي بلوحة أو صورة.. قصيدة أو منحوتة بهدف إقامة أول ملتقى يجمع شتاتنا نحن الصعاليك.
ولم يكتف بذلك بل قصد بعض دور الصحافة في زيورخ لينشروا له إعلانات بالمناسبة. وفي الخامس من شهر فبراير 1916 تم تدشين كاباريه فولتير واشتمل المعرض الأول علي أعمال من بيكاسو قام بجلبها له هانز آراب وتخلل ذلك أمسية روسية ألقيت فيها أشعار من بولنير وماكس جاكوب ورامبو وغيرهم
.
فرنسيس باكون - Francis Bacon وفي نفس العام صدر العدد الأول من مجلة: دادا وكان الشاعر تريستان تزارا رئيسا لتحريرها والمخرج الفني لصفحاتها وقد دعي للكتابة فيها كتاب وشعراء كبار من خارج سويسرا من أمثال أراغون - ايلوار - برايتون - سوبو.
وساهم في عروضها التشكيلية الموالية كل من بيكاسو -مودلياني- كاندنيسكي ولم تتوقف مجلة: دادا عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة.
في السابع من شهر مايو عام 1920 صدر العدد السابع ومن مقدمته نقتطف الفقرة التالية:
اصرفوا بأسنانكم.. اصرخوا.. اركلوني علي أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صورا ببضعة فرنكات.
وهكذا راح الدالدئيون يواجهون العالم بكل ما يمكن أن يهزه من تخريب وافتعال الضجة والضحك علي الذقون والضحك فقط في غالب الأحيان، ناهيكم عن الغطرسة والإساءات والإهانات والفضائح الفاقعة والسخرية من ذواتهم ومن الآخرين.
جين أرب Jean Arp
وذات مرة أعلن الدادئيون في باريس عن بيان يتلى علي الناس في تاريخ معين وبدلا من هذا البيان قرأ : تزارا مقالا من صحيفة اختيرت بحسب الصدف بينما كان بول ايلوار و تيودور فرنكل يقرعان الأجراس.
قصيدة الصدفةأو بالأحرى قصيدة من غير شاعر وكنموذج من هذا الشعر تناول: تزارا بضع مقالات من صحيفة يومية تافهة وقصها قصاصات صغيرة لا تزيد مساحة الواحدة منها عن معدل الحيز الذي تشغله الكلمة ثم وضع الكلمات المقطعة في كيس دقيق فارغ وخضها جيدا ثم تركتها تتناثر علي طاولة والترتيب أو اللاترتيب للكلمات سوف يؤلف برأي تزارا قصيدة من نظم الصدفة.
فوتوغرافيا دادائية
وفي مجال التصوير الفوتوغرافي كان أحد المصورين الدادئيين يقطع رحلة بين دوسلدورف وكولن في ألمانيا بان ثبت آلة التصوير في نافذة القطار وطفق يلتقط الصور كيفما أتفق كل خمس دقائق وشكل بترتيبها العشوائي فيما بعد أول معرض فوتوغرافي دادائي. وحصل مع الموسيقي ما هو افضع من قرع العلب المعدنية الفارغة والطلقات النارية الحية مكان الإيقاع والنباح والعويل بدل الغناء.
الفولغا يصب في بحر قزوين
أما الكتابة التلقائية فأطلق لها العنان العبثي والصدفة واللاوعي وحل اللانظام محل النظام واللامنطق مكان المنطق والعفوية والبراءة سدت المنافذ في وجه التزمت والتصنع. وفي الكتابة التلقائية أيضا ينبغي للمرء أن يكتب كما يقوده قلمه من غير أن يبحث عن الكلمات المناسبة أو الالتزام بقواعد النحو وتصريف الأفعال. وتعتبر رواية: الفولغا يصب في بحر قزوين للكاتب بيليناك رواية كولاجية إذ ادخل بين أحداثها نصوص قصيرة مقتطفة من الصحف وقصاصات الأخبار وعناوين الإعلانات وتخلي بذلك عن الواقعية الموضوعية ذات الخط الواضح لقاء بحث جمالي وفن يلعب علي مستويات مختلفة. والفنان الدادائي - بيكابيا يري:
أن الجمال يمكن أن يولد من اتحاد أشياء غير متوقعة أكثر من غيرها بشرط أن تكون اليد التي تجمعها يد فنان.
البيان الدادئي الأخير
في منتصف شهر مارس عام 1922 وبحضور أقطاب الدادائية القي تريستان تزارا كلمة البيان الأخير لهذه الحركة نورد منها أهم الفقرات المثيرة للتأمل:
إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجدا أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضا ما.
كورت شوتير - Kurt Schwitter
توقف تزارا برهة وابتلع ريقه.. جال ببصره علي وجوه رفاقه من شراذم الثقافة المحبطة تنهد وواصل تلاوة البيان: إن دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولان دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها.
ميشيل دوشامب
في أثناء هذا البيان كان: دونزيرغ يذرف ابتسامة ساخرة وهانز آراب يعبث بلسانه في شاربه الدقيق وكان هانز ريختر يتقيأ آهاته وجعا بين وقت وآخر.
ماكس إرنست - Max Ernest والدادائية التي حملت مشعل: بروميثيوس لتشعل الحرائق في كل مكان كانت من أكثر الحركات الفنية انتقائية وكانت تكره أن تلبس ثوبا واحدا وتكره أن تلبس الثوب أكثر من يوم واحد.. كانت ضد كل حالة كانتها وتكونها وضد الفن ثم ضد الفن المضاد وضد الصدفة وضد الصدفة المضادة.
اندرية برايتون - Breton ومن بين أنقاض وركام الصرح الدادائي المنهار انبثقت حركة أخري تولي زعامتها الشاعر الدادائي السابق: أندريه برايتون ليصبح وحده أكبر داعية للتجافي عن العقلانيات والمنطق والتنظيم مستجيبا لكل ما هو من الحلم واللاوعي والأشباح والطلاسم، والرموز وأطلق علي حركته الجديدة اسم: السريالية أو ما يعرف في لغتنا العربية بـ: (السمو واقعية) ليجعل منها وقفا علي المثقفين ولكن أي مثقفين.
إنهم المثقفون الذين تلاعبوا في مجريات حركة المد والجز وتصرفوا في عدد نبضات القلب و ألوان قوس قزح وما يستقر في مكنون العقل الباطن وسراديب الأحلام.