يستند المسرح إلى الفعل الدرامي والصراع والحوار ووجود الممثل والمتفرج بالإضافة إلى فنون الغناء والإنشاد والرقص. ولكن في الثقافة الغربية، أضيف إليه المخرج والبناية والخشبة أو ما يسمى بالعلبة الإيطالية والديكور والسينوغرافيا والفنون البصرية والإيقاعية الأخرى. وأصبح المسرح اليوم أب الفنون ومسرحا شاملا يضم كل اللغات والخطابات التواصلية.
هذا وقد ظهر المسرح في اليونان مع سوفوكلوس الذي كتب أول تراجيدية عالمية هي:
الضارعات ، ويوربيديس وأسخيلوس وأريستوفان. وكان المسرح مرتبطا بإله الخمر ديونيسوس والابتهالات والقرابين الدينية. ويرى الفيلسوف الألماني نيتشه أن ولادة المسرح اليوناني ارتكزت على المزج بين الغريزة والعقل من خلال إله ديونيسوس رمز اللذة والخمر وإله أبولون إله العقل والحضارة. ويعد أرسطو أول منظر لفن المسرح ولاسيما في كتابه" فن الشعر" الذي حدد فيه عناصر التراجيديا الإغريقية وحصرها في ستة مقومات وهي: الخرافة، والأخلاق، والمقولة، والفكر، والمنظر المسرحي، والنشيد. وتشكل كل من الخرافة والفكر والأخلاق موضوع التراجيديا، بينما منظر المسرحي يبرز الطريقة الفنية، أما الوسائل الدرامية فهي: اللغة والنشيد. ويذهب الدكتور محمد الكغاط إلى أن المسرح الإنساني مر بثلاث مراحل أساسية:
1- مرحلة التمثيل الفردي عن طريق اللعب والرقص والغناء والإنشاد، إذ ولد المسرح مع الإنسان كغريزة فطرية وشعور داخلي وانجذاب سحري إلى اللعب والتمثيل، وهذا ما تؤكده الدراسات الأنتروبولوجية والإثنولوجية والاجتماعية؛
2- مرحلة الظواهر الاجتماعية، ويعني هذا أن الفعل المسرحي انتقل من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية تتكون من شخصين فأكثر، كما تتشكل هذه الظاهرة الاجتماعية من الممثلين واللاعبين لأداء مجموعة من الطقوس الدينية والفنية. ويسمى هذا النوع من التشكيل الدرامي الاجتماعي بالظواهر المسرحية أو الأشكال ماقبل المسرحية أو الطقوس الاحتفالية؛
3- مرحلة المسرح التي ظهرت مع المسرح الإغريقي والبناية المفتوحة في أثينا ووجود النصوص الدرامية سواء أكانت تراجيديات( سوفكلوس- أسخيلوس- يوربيديس) أو كوميديات (أريستوفان).
وتطور المسرح الغربي بعد عصر النهضة، وانتقل إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وأصبحنا نتحدث عن أعلام كبار في مجال المسرح كشكسبير في انجلترا وموليير وراسين وكورناي في فرنساوكولدوني في إيطاليا ولوبي دي فيكا في إسبانيا. وقد ظهرت كذلك مجموعة من المدارس المسرحية الغربية كالمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الرومانسية والمدرسة الواقعية، والرمزية، والبرناسية ، والدادائية، والسريالية، والوجودية، ومسرح اللامعقول، ومسرح القسوة، ومسرح الشارع، ومسرح العمال، والمسرح النفسي مع مورينو.....إلخ.
هذا، وقد أفرز تطور المسرح الغربي وتشكل مدارسه ظهور فن الإخراج المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر، فأصبحنا نتحدث عن مخرجين كبار من أمثال: الدوق ساكس مينينجنSaxe Meiningen وبريختBrechtوستانسلافسكيStanislavskiوجروتوفسكيGrotowski و كولدون كريـج;G.Craig وماكس رينهاردتM.Reinhardt وأندريه أنطوانA.Antoine وجان فيلارJ.Vilar وأدولف أبياA.Appia.
وإذا انتقلنا إلى المسرح العربي، فإنه يثير عدة تساؤلات وإشكاليات يمكن صياغتها على الشكل التالي: متى عرف العرب المسرح؟ هل يمكن التأريخ له بسنة 1848م مع صدمة الحداثة وفترة الاستنبات الماروني أم بالرجوع إلى التراث العربي لاستقراء ظواهره الفنية الاجتماعية للبحث عن الأشكال الدرامية والطقوس الاحتفالية واللعبية؟ وبتعبير آخر ماهي أسباب غياب المسرح العربي أو أسباب حضوره؟ وماهي المراحل التي مر بها المسرح العربي؟ وماهي تجلياته التجريبية والتأصيلية؟
يذهب كثير من الدارسين إلى أن العرب عرفوا المسرح في الشام منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وبالضبط في سنة 1848م عندما عاد مارون النقاش من أوربا( إيطاليا- فرنسا) إلى بيروت فأسس مسرحا في منزله فعرض أول نص درامي في تاريخ المسرح العربي الحديث هو" البخيل" لموليير، وبذلك كان أول من استنبت فنا غربيا جديدا في التربة العربية. ومن ثم، بدأ المسرح العربي يعتمد على عدة طرائق في استنبات المسرح الغربي كالترجمة والاقتباس والتعريب والتمصير والتأليف والتجريب وشرح نظريات المسرح الغربي ولاسيما نظريات الإخراج المسرحي وعرض المدارس
المسرحية الأوربية. وكان هذا الظهور المسرحي في البلاد العربية نتيجة للاحتكاك الثقافي مع الغرب عبر حملة نابليون بونابرت إلى مصر والشام وعن طريق الاطلاع والتعلم والرحلات العلمية والسياحية والسفارية .
أما في سورية ، فقد أسس أبو خليل القباني مسرحه الموسيقي والغنائي، وبدأ في تقديم فرجات تراثية وتاريخية؛ لكن رجال الدين المتزمتين وقفوا في وجه مسرحه بدعوى أنه يفسد أخلاق الشباب ويلهيهم عن الواجبات الدينية ويخل بآداب المجتمع مما اضطر السلطان عبد الحميد الثاني إلى إغلاق مسرحه وإحراقه . هذا هو الذي دفع أبا خليل القباني إلى هجرة بلده الذي طغى فيه الاستبداد التركي مع مجموعة من الممثلين والفنانين حيال مصر.
وفي مصر، سيزدهر فن المسرح خاصة مع الشاميين( أبوخليل القباني وأديب إسحق وفرح أنطون وسليم النقاش ويوسف الخياط وجورج أبيض)، والمبدعين المصريين (يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وعبد الله النديم ومصطفى كامل ويوسف وهبي ومحمود تيمور وأحمد شوقي وعزيز أباضة وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب الريحاني...). وستظهر بعد ذلك فرق مسرحية وغنائية عديدة في القاهرة والإسكندرية( فرقة أحمد أبو خليل القباني،وفرقة إسكندر فرح، وفرقة سلامة حجازي ، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة جورج أبيض، وفرقة يوسف وهبي)، وستنشأ قاعات للمسرح سواء أكانت قاعات عروض خاصة أم قاعات مسرحية أنشأتها الدولة لرعاية الفنون والآداب إبان المرحلة الملكية والثورة الناصرية على الرغم من الرسالة الانتقادية الخطيرة لهذا المسرح التي كانت تندد بالمستعمر وأصحاب السلطة والجاه. كما شيدت الدولة المصرية أول كونسرفتوار للفن الدرامي بالقاهرة في الوطن العربي علاوة علىالكليات والمدارس والمعاهد المتعلقة بالفن والتنشيط المسرحي والموسيقي والسينمائي.
ولقد انتقل المسرح إلى دول المغرب العربي من خلال التأثير المشرقي ولاسيما المصري منه عندما زارت مجموعة من الفرق المسرحية ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، دون أن ننسى التأثيرالثقافي والتقني الذي مارسه المستعمر الأجنبي( الفرنسي- الإسباني- الإيطالي) حينما شيد في هذه البلدان مجموعة من القاعات المسرحية التي كان يعرض فيها الريبرتوار المسرحي الغربي وخاصة مسرحيات موليير الكوميدية أو مسرحياته التي تصف الطباع والأخلاق. ففي ليبيا، بدأ المسرح سنة 1928م حينما أسس محمد عبد الهادي أول فرقة للتمثيل لما عاد من بلاد الشام. وسينتعش المسرح التونسي إثر الزيارات المتكررة للفرق المسرحية والغنائية المصرية للمدن التونسية ولاسيما فرقة سليمان القرداحي وفرقة أبي خليل القباني وفرقة سلامة حجازي وفرقة جورج أبيض.