يحيي اليمن اليوم ذكرى وحدته العشرين. وبهذه المناسبة اعلن الرئيس علي عبدالله صالح الافراج عن معتقلي الحراك وحرب صعدة. فالحروب والازمات لم توفر البلاد خلال تلك السنوات التي شهدت تشكيل عشر حكومات. صنعاء: في صبيحة مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما كانت كل قلوب اليمنيين تضج بفرحة لم يعهدها اليمن منذ عقود، وعلت الابتسامة وجوه العجزة والأطفال ورقص الرجال في المدن وساحات المدارس والحقول بطريقة أقرب إلى الهيستيريا.
حينها كانت الصورة الوحدوية الأشهر في تاريخ اليمن، والمتمثلة في رفع العلم الجديد بألوانه الثلاثة بدون النجوم الخضراء التي كانت في العلم الوطني للشمال والحمراء التي كانت في العلم الوطني الجنوبي.
العلم الموحد رفعه الزعيمان حينها علي عبدالله صالح رئيس شمال اليمن، وعلي سالم البيض رئيس جنوب اليمن.. الآن لم تعد الصورة كذلك، فقد ألغى الإعلام الرسمي في اليمن صورة البيض من لحظة رفع العلم الموحد وبقيت صورة علي عبدالله صالح منفردا يرفع العلم لوحده.
تلك الفرحة التي داهمت اليمنيين لم تدم طويلا، فبعد عامين فقط من قيام الوحدة بدأت أزمة الجانبين وبدأت المشاكل، وتطور الأمر وتأزم الموقف في العام 1993 حتى وصل الأمر إلى إعلان الحرب بين الجنوب والشمال بعدما اعتصم قادة الجنوب في عاصمتهم السابقة عدن.
خاض الشماليون الحرب في ايار- مايو 1994 وكسبوها بمساندة الإسلاميين ، حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي شارك في حكومة ائتلاف منذ انتهاء الحرب في تموز- يوليو 1994، وظل شهر العسل بين صالح والإسلاميين حتى العام 1997.
20 عاما و20 أزمة بعد مرور 20 عاما من عمر دولة الوحدة أصبح الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام مسيطرا على كل مفاصل الحياة السياسية، وأصبح الرئيس صالح أمام جبهات عنيفة يصعب التحكم بها.
الآن يواجه الرئيس مواجهات عنيفة ومطالبات واسعة بما يسميه قادة حراك الجنوب (فك الارتباط)، إضافة إلى جروح نزفت منها دماء آلاف اليمنيين في شمال الوطن خلال ستة من الحروب المتلاحقة منذ العام 2004.
الوحدة كواقعيقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور محمد المتوكل إن "الوحدة التي لا تحقق الأهداف العامة التي قامت من أجلها ليست أكثر من إَضافة متعوس إلى خائب الرجاء"، معتبرا "ان الذي لا يستطيع أن يحمي من الظلم لا يستطيع أن يحمي الوحدة".
وأضاف المتوكل في ندوة عن الوحدة إنها "عمل حضاري"، مشيرا إلى أن "قيادات الشطرين دخلت الوحدة وهي محكومة بثقافة شمولية استبدادية فردية وبانتماءات مختلفة ومثقلة بصراعات طابعها رفض الآخر والعمل على التخلص منه"، انتهت بالبلد وأحزابه إلى حرب صيف 94 التي قال " إنها ذبحت الوحدة الحوارية من الوريد إلى الوريد".
ووصف المتوكل التحالفات الثلاثية بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي والتجمع اليمني للإصلاح، ثم التحالف الثاني بين المؤتمر والإصلاح، مشيرا إلى قيام تلك التحالفات على حساب العمل الديمقراطي، واصفا التحالف الثنائي بين المؤتمر والاصلاح بـ"التآمري"، لـ"الخلاص من الحزب الإشتراكي" الشريك الرئيسي في الوحدة، والذي تسبب في" اختلال التوازن "وأخيرا " جاء دور الثور الأسود"، في إشارة منه إلى خروج الإصلاح من المعادلة.
أما الكاتب السياسي الدكتور محمد الظاهري رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء فقد أشار إلى أن الوحدة مرت بعدة مراحل واصفا المرحلة الحالية بأنها "مرحلة استمرار وحدة الجغرافيا وظهور تجزئة المجتمع نفسيا وهوية"، أو " مرحلة أزمة التكامل الوطني". وأشار إلى هروب النخبة الحاكمة من متطلبات الوحدة إلى تقدسيها.
إفراج بلا انفراجومساء الجمعة انتظر اليمنيون بفارغ الصبر خطاب الرئيس علي عبدالله صالح بعد أن دار الحديث في الأوساط السياسية وشرائح المجتمع المختلفة عن مفاجآت سيفجرها هذا الخطاب من مدينة تعز وسط البلاد حيث تقام احتفالات هذا العام.
وكانت المفاجأة متوقعة لدى غالبية السياسيين لكن العامة عولت على الخطاب كثيرا حيث ذهب البعض إلى أنه سيعلن عن حكومة وحدة وطنية وأنه سيرفع رواتب الموظفين، وأنه سيدعو معارضة الخارج للعودة.
الأمر لم يسر وفقا لتلك التطلعات فقد اكتفى الرئيس بإطلاق سراح المعتقلين على ذمة حرب صعدة وعلى ذمة الحراك في المحافظات الجنوبية وهو ماكان متوقعا بالفعل.
أما بالنسبة لحكومة الوحدة فقد ألمح الرئيس إلى إمكانية قيامها في إطار الحوار الجاري بينه وبين المعارضة وهو حوار معقد لم يخرج بأي نتائج منذ سنوات.
حالة أمنية مرعبةواتخذت الحكومة تدابير احترازية متعددة من اجل السيطرة على أي إشكالات قد ينفذها عناصر مايسمي بـ "الحراك الجنوبي" بهدف تعكير أجواء الاحتفاء بالعيد الوطني. وحسب مصادر أمنية فإن اللجنة الأمنية أقرت 'خطة لتأمين' الاحتفال بالعيد الـ20 لتحقيق الوحدة اليمنية، وأنها اتخذت عدداً من الإجراءات والتدابير لمواجهة أعمال الشغب والتخريب ودعوات الإضراب المشبوهة".وتصاعدت أعمال العنف المسلح التي تشهدها المحافظات الجنوبية الأسبوع الجاري لتصل الى حد استهداف المواكب الرسمية والمسؤولين الأمنيين أبرزهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع رشاد العليمي.
شريك الوحدة يدعو للمواجهةفي سياق الحدث جدد نائب الرئيس السابق ورئيس الجنوب قبل الوحدة علي سالم البيض إعلانه بالتمسك بـ "فك إرتباط" الجنوب عن الشمال وذلك في خطاب ألقاه بمناسبة ما وصفها بـ"الذكرى السادسة عشر لقرار إعلان فك الإرتباط".
وقال إن 21 ايار- مايو من كل عام، يحتل مكانة وطنية كبيرة في وجدان شعبنا العربي في جنوبنا الحبيب، ويجسد مناسبة وطنية ذات معنى تحرري كبير لأنه يوم تقرر فيه " فك الارتباط " رسميا من وحدة اندماجية تحققت يوم 22 ايار- مايو 1990 مابين دولتنا الجنوبية السابقة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ودولة الاحتلال الحالية " الجمهورية العربية اليمنية " بعدما قام شركاء الوحدة بالانقضاض على اتفاقية الشراكة السياسية " اتفاقية الوحدة " بإعلان الحرب ضد الجنوب.
ودعا الجنوبيين إلى مزيد من التلاحم والتكاتف و"مواجهة مخططات نظام صنعاء التي تهدف إلى تصفية الحراك الوطني الجنوبي، عبر تخريجات وتكتيكات سياسية متعددة تتعلق بمبادرات وتسويات ومشاريع مشبوهة تطرح هنا وينظر لها هناك" حسب قوله. وجدد رفضه القبول بالمفاوضات مع السلطة مطالبا بتصعيد "المقاومة السلمية" من خلال التصدي لما أسماه بـ"جحافل جيش الإحتلال خلال الاعتداء على المواطنين وبيوتهم وأرزاقهم، وعلاج ومساعدة المصابين والجرحى ، والدفاع عن الاسرى والمعتقلين السياسيين والملاحقين، والاحتفاء بالمناسبات الوطنية واستحضار التاريخ الوطني في المناسبات، وتمجيد دور الشهداء والرموز التاريخية".
10 حكومات و7 حروبخلال العشرين عاما الماضية تشكلت في البلاد 10 حكومات بينها حكومة الحرب في 1994 وهي حكومة لم تدم أكثر من 5 أشهر.
وقبلها عاش اليمن في ظل حكومتين هما حكومة الوحدة وبعدها حكومة مابعد أول انتخابات برلمانية، ورأس هاتين الحكومتين القيادي الاشتراكي حيدر العطاس الذي يقود إلى جانب عدد من قادة الجنوب معارضة الخارج حاليا.
بعدها تشكلت حكومة ائتلاف الإسلاميين والحزب الحاكم واستمرت حتى 1997 ثم بعد ذلك توالت الحكومات وكان أكثر رجل تولى رئاسة حكومات متوالية هو الجنوبي الاشتراكي السابق عبدالقادر باجمال حيث ترأسها لثلاث مرات، وأعقبه رئيس الوزراء الحالي علي مجور.
وخاض اليمن خلال مرحلة عمر الوحدة سبعة حروب منها الأشهر بين شريكي الوحدة في 1994 وهزم الشريك الجنوبي، إضافة إلى ستة حروب أخرى بعد مرور عشر سنوات وذلك مع مايسمى بالحوثيين في شمال البلاد، بمعدل حرب كل عام منذ 2004 إلى 2010.
اما الآن فتعيش البلد في أزمات متراكمة تترافق مع عناد كل الأطراف في حين يهدد المجتمع الدولي اليمن كل أسبوع بتقارير لمنظمات تؤكد أن اليمن على حافة الانهيار لكن الجميع هنا يصر على الأخطاء وعلى عدم الاعتراف بها.