قصائد للشاعر أوكتافيو باث
ترجمة محمد حلمي الريشة
أُوكْتَافْيُو بَاثْ :
الوَقْتُ يَخْتَرِعُ البُيُوتَ وَالشَّوَارِعَ وَالأَشْجَارَ وَنَوْمَ النِّسَاءِ
تَرْجَمَةُ: مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة *
مِفْتَاحُ المَاءِ
أَخْضَرَ.
أُفُقُ الزُّجَاجِ
يَفْصِلُ بَيْنَ القِمَمِ.
نَسِيرُ عَلَى الكِرِيسْتَالِ.
فِي الأَعْلَى وَالأَسْفَلِ
خُلْجَانٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الهُدُوءِ.
فِي الفَضَاءَاتِ الزَّرْقَاءِ
صُخُورٌ بَيْضَاءُ، وَغُيُومٌ سَوْدَاءُ.
قُلْتَ:
البَلَدُ مَلِيءٌ بِاليَنَابِيعِ.
فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ غَمَسْتُ يَدَيَّ فِي نَهْدَيْكِ.
عَلَى امْتِدَادِ شَارِعِ غَالْيَانَا
تَضْرِبُ مَطَارِقُ هُنَاكَ فِي الأَعْلَى
تَسْحَقُ الأَصْوَاتَ
وَمِنْ قِمَّةِ المَسَاءِ
يَنْزِلُ البَنَّاؤُونَ إِلَى الأَسْفَلِ
نَحْنُ بَيْنَ الأَزْرَقِ وَالمَسَاءِ الجَمِيلِ
تَبْدَأُ فَجَوَاتٌ فَارِغَةٌ هُنَا
بِرْكَةٌ شَاحِبَةٌ تَشْتَعِلُ فَجْأَةً
يُشْعِلُهَا ظِلُّ الطَّائِرِ الطَّنَّانِ
الوُصُولُ إِلَى أَوَّلِ البُيُوتِ
يُؤَكْسِدُ الصَّيْفَ
وَشَخْصٌ مَا أَغْلَقَ بَابَ شَخْصٍ مَا
يَتَحَدَّثُ مَعْ ظِلِّهِ
إِنَّها تُظْلِمُ لاَ أَحَدَ فِي الشَّارِعِ الآنَ
وَلاَ حَتَّى هذَا الكَلْبُ
الَّذِي يَفْزَعُ مِنَ المَشْيِ عَبْرَهُ وَحْدَهُ
امْرِئٌ خَائِفٌ مِنْ أَنْ يُغْمِضَ عُيُونَ امْرِئٍ
(المِكْسِيك، 18 حُزَيْرَان 1971)
البُسْتَانُ
هَائِلَةٌ وَقَوِيَّةٌ
لكِنَّهَا تَتَمَايَلُ،
وَتُضْرِبُهَا الرِّيَاحُ
لكِنَّهَا مُتَسَلْسِلَةٌ
إِلَى التُّرْبَةِ،
وَثَرْثَرَةُ مَلاَيِينِ الأَوْرَاقِ
قِبَالَةَ النَّافِذَةِ:
الكُتْلَةُ
المُعَقَّدَةُ
وَالفُرُوعُ الخَضْرَاءُ الدَّاكِنَةُ المَحْبُوكَةُ
وَالفَضَاءَاتُ الرَّائِعَةُ.
سَقَطَتْ
فِي هذِهِ الشِّبَاكِ
ثَمَّةَ مَادَّةٌ هُنَاكَ
عَنِيفَةٌ، وَمُتَأَلِّقَةٌ،
وَحَيَوَانٌ
غَاضِبٌ وَسَرِيعٌ،
لاَ يَسْتَطِيعُ الحَرَكَةَ الآنَ،
وَضَوْءٌ يُضِيءُ نَفْسَهُ
لِيُطْفِئَ نَفْسَهُ.
إِلَى اليَسَارِ، وَفَوْقَ الجِدَارِ،
فِكْرَةٌ أَكْثَرُ مِنْ لَوْنٍ،
الأَزْرَقُ أَزْرَقُ حَوْضٍ
مُحَاطٍ بِحَوَافَّ مِنَ الصُّخُورِ الضَّخْمَةِ،
المُفَتَّتَةِ،
رَمْلٌ يَنْدَفِعُ بِصَمْتٍ
نَحْوَ قِمْعِ البُسْتَانِ.
فِي الجُزْءِ
الأَوْسَطِ
قَطَرَاتٌ ثَخِينَةٌ مِنَ الحِبْرِ
تَنَاثَرَتْ
عَلَى وَرَقَةٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي اتِّجَاهِ الغَرْبِ،
أَسْوَدُ
هُنَاكَ، تَقْرِيبًا تَمَامًا،
فِي أَقْصَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ،
حَيْثُ يَنْهَارُ الأُفُقُ.
البُسْتَانُ
يَتَحَوَّلُ إِلَى نُحَاسٍ، يُشِعُّ.
ثَلاَثَةُ شَحَارِيرَ
تَمُرُّ عَبْرَ الحَرِيقِ وَتُعَاوِدُ الظُّهُورَ،
سَالِـمَةً،
وَفِي الفَرَاغِ: لاَ ضَوْءَ لاَ ظِلَّ.
الحَيَاةُ النَّبَاتِيَّةُ
عَلَى النَّارِ لإِنْهَائِهَا.
فِي البُيُوتِ
الأَضْوَاءُ مُضَاءَةٌ.
فِي النَّافِذَةِ
تَجْتَمِعُ السَّمَاءُ.
فِي جُدْرَانِهَا القِرْمِيدِيَّةِ
الفَنَاءُ
يَنْمُو أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ
مُنْعَزِلَةٌ:
مِثَالِيَّتُهَا
وَاقِعِيَّةٌ.
وَالآنَ
عَلَى الإِسْمَنْتِ الكَامِدِ
لاَ شَيْءَ لكِنْ
أَكْيَاسٌ مَلِيئَةٌ بِالظِّلِّ
سَلَّةُ المُهْمَلاَتِ،
وَهِيَ وِعَاءُ الزَّهْرَةِ الفَارِغِ.
يَنْغَلِقُ الفَضَاءُ
فَوْقَ ذَاتِهَا:
اللاَّإِنْسَانِيَّةِ.
شَيْئًا فَشَيْئًا، تَتَمَسْمَرُ الأَسْمَاءُ فِي مَكَانِهَا.
(كَمْبْرِيدْجْ، إِنْكِلْتْرَا، 28 تَمُّوز 1970)
أَوَّلُ كَانُونَ ثَانٍأَبْوَابُ السَّنَةِ مَفْتُوحَةًمِثْلَ تِلْكَ اللُّغَةِ،
نَحْوَ المَجْهُولِ.
قُلْتَ لِي اللَّيْلَةَ المَاضِيِةَ:غَدًالاَ بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نُفَكِّرَ أَعْلَى مِنَ الإِيمَاءَاتِ،وَنَرْسُمُ مُخَطَّطَ التَّضَارِيسِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَنَبْتَدِعُ خِطَّةً
عَلى صَفْحَةٍ مُزْدَوَجَةٍ
مِنَ اليَوْمِ وَالوَرَقِ.
غَدًا، لاَ بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَخْتَرِعَ،
مَرَّةً أُخْرَى،
وَاقِعَ هذَا العَالَمِ.
فَتَحْتُ عَيْنَيَّ فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ
لِثَانِيَةٍ مِنَ ثَانِيَةٍ
وَشَعَرْتُ مَا شَعَرَ بِهِ الإِزْتِيكُ(3)،
عَلَى القِمَّةِ النَّاتِئَةِ،
حَيْثُ يَكْذِبُونَ فِي انْتِظَارِ
عَوْدَةِ الوَقْتِ غَيْرِ المُؤَكَّدَةِ
مِنْ خِلاَلِ شُقُوقٍ فِي الأُفُقِ.
لكِنْ لاَ، عَادَتْ هذِهِ السَّنَةُ.
مَلأَتْ كُلَّ الغُرْفَةِ
وَنَظْرَتِي لَمَسَتْهَا تَقْرِيبًا.
الوَقْتُ، مِنْ دُونِ مُسَاعَدَةٍ مِنَّا،
وُضِعَ
فِي النِّظَامِ نَفْسِهِ كَالأَمْسِ بِالضَّبْطِ
بُيُوتٌ فِي شَارِعٍ فَارِغٍ،
وَثَلْجٌ عَلَى البُيُوتِ،
وَصَمْتٌ عَلَى الثَّلْجِ.
كُنْتَ بِجَانِبِي،
لاَ تَزَالُ نَائِمًا.
اخْتَرَعَكَ اليَوْمُ
لكِنَّكَ لَمْ تَقْبَلْ بَعْدُ
أَنْ يُخْتَرَعَ وُجُودُكَ مِنْ قِبَلِ اليوم.
-- رُبَّمَا لَيْسَ مِنَ المُمْكِنِ لِوُجُودِي أَنْ يُخْتَرَعَ، كذِلَكَ.
لَقَدْ كُنْتَ فِي يَوْمٍ آخَرَ.
كُنْتَ بِجَانِبِي
وَرَأَيْتُكَ، مِثْلَ الثَّلْجِ،
نَائِمًا بَيْنَ المَظَاهِرِ.
الوَقْتُ، مِنْ دُونِ مُسَاعَدَةٍ مِنَّا،
يَخْتَرِعُ البُيُوتَ، وَالشَّوَارِعَ، وَالأَشْجَارَ،
وَنَوْمَ النِّسَاءِ.
عِنْدَمَا تَفْتَحُ عَيْنَيْكَ
سَوْفَ نَسِيرُ، مَرَّةً أُخْرَى،
بَيْنَ السَّاعَاتِ وَاخْتِرَاعَاتِهَا.
سَوْفَ نَمْشِي بَيْنَ المَظَاهِرِ
وَنَحْمِلُ شَهَادَةً إِلَى الوَقْتِ وَاقْتِرانَاتِهِ.
رُبَّمَا سَنَفْتَحُ أَبْوَابَ اليَومِ.
وَمِنْ ثَمَّ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَدْخُلَ المَجْهُولَ.
(كَامْبْرِيدْجْ، مَاسَاشُوسْتِسْ، 1 كَانُون ثَانٍ 1975)