"الإفريقي الفاشي"، أو "الفاشي الأخير"، لقبٌ آخر، ربما بات يستحقه القذافي ملك ملوك إفريقيا، بكل جدارة. فالفاشية ماعادت صناعةً أوروبية مسجلةً بإسم إيطاليا الموسولينية (1922ـ1943)، التي حسب لها العالم، في النصف الأول من القرن الماضي، ألف حساب وحساب.
القذافي، بشهادة الكثيرين ممن التقوه واحتكوا به، هو رجل "غريب الأطوار"، أو "أغرب شخصيةٍ تاريخية"، كما قالها جواناثان مان، الذي التقاه في خيمته بطرابلس، ذات مرة.
كلّ ما يحوم حول هذا الرجل الذي لا يشبه إلا نفسه، وما يظهره للعالم بارزاً عضلاته الديكتاتورية، نهاراً جهاراً، يثبت أنه قاب قوسين أو أدنى من الفاشية.
هو فاشيٌ، بزيه الخاص جداً، الخارج على كلّ العادة، وصولوجاناته العسكرية، ورتبه ونياشينه الثقيلة، و"خيمه الضرورية"، وظهوراته وبهرجاته و"تمثيلياته"، التي تخصه وحده، ولا أحد يشاركه فيها.
هو فاشيٌّ، بكلامه "الأعلى المتعالي"، الذي "يفوق"، على حد خياله على الأقل، كلّ كلام العالم، ولا يعتبر الآخر سوى "شقفة صعلوك"، على بابه "العالي" منذ حوالي اثنتين وأربعين سنةٍ، من الجنون والمجون في السلطة.
هو فاشيٌّ في "كلامه العظيم"، الذي لا يسمي به الأشياء(أشياءه)، إلا في كونها عظيمةً، والتي إن قال لها "عظيم" مثله "كن فتكون". فهو "القائد الأعظم"، ل"ثورة عظيمة"، انتهت إلى "جماهيرية ليبية عظيمة".
هو فاشيٌّ، في اقفاله لباب "جماهيريته العظمى" على العالم، واكتفائه بها على أنها كلّ العالم، لكأنها "مكتفية ذاتياً" بكل شيء، ولا ينقص شعبها شيء، إلا أن يكون هو زعيمهم التاريخي والأزلي، و"أخوهم القائد"، إلى أبد الآبدين.
هو فاشيٌّ، بإستهتاره بكلّ ما يحيط به دول وشعوبٍ وجماعات وثقافات، واختزاله لكل العالم في "ليبيا"(ه)، ومساواته لهذه الأخيرة، مع إسمه، وهو القائل مراراً، "أنا هو ليبيا، وليبيا هي أنا".
هو فاشيٌّ في خيمه المتنقلة، السيارة، بين عواصم العالم، والتي يصرّ على "فتح" المكان الأجنبي فيها، ببداوتها وثقافتها الماضية، ولا يرضى لها، إلا أن تكون حضارتها جزءاً أو بعضاً من خيمته، مكان إقامته المفضلة، كما يتظاهر: الخيمة أولاً، والخيمة آخراً.
هو فاشيٌّ، بوصاياه "الديموـ كراسية"، التي لا يترك مناسبةً، إلا ويوصي العالم بدخول جناتها، التي تجري من تحتها الرمال، والحذو حذو "جنونه الإفريقي"، كملكٍ "استثنائيٍّ" لملوك إفريقيا.
هو فاشيٌّ، في إلغائه لكل ما يمكن تسميته ب"الأخر"، أياً كان هذا الآخر وأياً كانت جهته وثقافته، سواء في الداخل الليبي أو خارجه. فالعالم لديه، هو "أنا" بلا آخر؛ أنا لا شريك لها. أما هو فليس إلا هذه "الأنا الكونية الضرورية الفائقة"، التي على كل العالم واجب التصفيق الضروري لها، والتبشير بها أينما حلّ وارتحل.
هو فاشيٌّ، في تسليحه للشعب ضد الشعب، وقتله للشعب بالشعب، وصناعته للكراهية والحرب الأهلية بين أبناء الشعب، كما سمعنا وعده ووعيده وتهديده، على مرّ الأيام الماضية.
هو فاشيٌّ، في إفراغه للدولة من الدولة، بإعتباره هو كلّ الدولة، أو الدولة التي ما فوقها دولة.
هو فاشيٌّ، في دولته، التي تشبه إلا نفسها وصورة زعيمها.
هو فاشيٌّ، في منطقه الإلغائي لكلّ حرية، لا تروق لها حريته، وقتله بالتالي لكل مظاهر الحريات الفردية، لأجل حرية دولةٍ لا تساوي إلا صورته وصور أفراد عائلته.
هو فاشيٌّ، في "كتابه الأخضر"، ب"زحفه الأخضر"، القائم على قدمٍ وساق، على ليبيا الثورة، الآن، لحرق الأخضر واليابس في كلّ ليبيا، كما حصل فعلاً، ولا يزال.
هو فاشيٌّ، كان ولا يزال، منذ حوالي 42 سنة، حكم جماهيريةً بلاجمهور، كقائدٍ ل"ثورةٍ شعبية"، لا شعب فيها.
في خطاباته الثلاث الأخيرة، التي خرج بها على الشعب الليبي والعالم، لم يقدّم القذافي نفسه، إلا في كونه نسخةً فاشيةً عتيقة، لا ترضي ولا تقنع إلا مزاجه، وتماديه في "جنونه الثوري" الدوّاس على كلّ ثورة.
هو، يقول بأنه "زعيم روحي رمزي لليبيا"، ولكن ليبيا الآن لا تريده.
هو، يقول بأنه "الأخ القائد" الضروري لليبيا، ولكن الشعب الليبي الآن ما عاد وراءه.
هو، يقول بأنه "قائد ثورة"، ولكن ليبيا الثورة، الآن، تريد إسقاطه.
هو، يقول بأنه قائد بلا منصب، ولكنه مصرّ على البقاء في "جماهيرية باب العزيزية العظمى"، حتى آخر قطرة دمٍ، على رأس ليبيا، آمراً أبدياً، على كلّ المناصب.
كل الأخبار وما وراءها، تقول مع الشعب الليبي المنتفض، من الشرق إلى الغرب، ولا تردد إلا جملةً واحدة: "القذافي إلى سقوط".
ولكن الأرجح أنّ سقوط القذافي لن يشبه سقوط أخوانه السابقين، زين العابدين بن علي، وحسني مبارك.
فلا هو يشبههما، ولا "جماهيريته العظمى" تشبه جمهوريتيهما.
بقاؤه الآن، مصّراً على الموت في ليبيا، و"الدفاع" عنها حتى "آخر رجل، وآخر إمرأة، وآخر قطرة دم"، كما قالها القذافيان الأب والإبن، يعني أنّ الهروبَ سيكون إلى سقوطٍ مغاير تماماً، كما سنشهده في القادم القريب جداً من ليبيا.
سقوطه سيشبه على الأغلب سقوط أخوانه في صناعة الفعل الفاشي، من قبله.
لن يسقط القذافي، المتمادي في "غيه الفاشي"، سقوطاً عادياً، كما تقول "عشرة أيام هزت ليبيا".
القذافي، سيسقط على الأغلب، كأيّ فاشيٍّ، قطع عهداً مع شعبه والعالم، أن يبقى قائداً أميناً للخراب وضرب البلاد والعباد إلى الأبد.
ولكن السؤال الباقي، هو:
هل سيكون القذافي، الفاشي الأخير، أم سنشهد أشقاء فاشيين آخرين، قريبين أو بعيدين له، في القادم من ركوب شعوب الشرق الأوسط الشوارعَ؟
هل سيسقط الفعل الفاشي، في الشرق من كوكبنا، بسقوط القذافي، أم سنشهد في القادم من الشرق الأوسط الغاضب، من الجزائر إلى دمشق، وليس انتهاءً بطهران، صعود فاشيين جدد؟