هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت المصالي الصنهاجي اللمتوني الحميري . أبو يعقوب . أمير المسلمين وملك الملثمين ، سلطان المغرب الأقصي ، وباني مدينة (مراكش) ، وأول من دعي بأمير المسلمين . أمه لمتونية حرة اسمها فاطمة بنت سير بن يحيى . ولد في صحراء المغرب ، ولما شب ولاه عمه أبو بكر بن عمر اللمتوني إمارة البربر ، وبايعه أشياخ المرابطين وجال جولة في المغرب بجيش كبير فقوي أمره واستولى على فاس وغزا المغرب الأوسط (الجزائر) والأدنى (تونس) وأنشأ إمبراطورية مغربية تمتد فيما بين تونس والمحيط الأطلسي . وما بين البحر المتوسط وحدود السودان . دخل الأندلس لنصرة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية ، وظفر في موقعة (الزلاقة) على جيوش قشتالة وليون التي كان يقودها الملك ألفونسو السادس سنة 479 هـ ، وقد أبيد في هذه الموقعة الحاسمة جيش ألفونسو ولم ينج ألفونسو نفسه ، إلا بشق الأنفس . واسترد المسلمون بهذه الوقعة مدينة (بلنسية) وعادت إليهم السيادة على الجزيرة الخضراء . وقد وصف المعتمد بن عباد هذه الوقعة التي شارك فيها ، وتسمى (يوم عروبة) بقصيدة يقول فيها مخاطبا ابن تاشفين
ويـــوم العروبـــة ذدت العــدا
نصــرت الهــدى وأبيـت الفـرارا
ثبــت هنــاك , إن القلــوب بيـن
الضلــــوع لتـــأبى القـــرارا
ولــولاك يــا يوســف المتقــي
راينـــا الجزيرة للكفــر دارا
رأينــا الســيوف ضحـى كـالنجوم
وكـــالليل ذاك الغبــار المثــارا
فللــــه درك فــــي هولـــة
لقــد زاد بأســك فيــه اشــتهارا
تزيــد اجــتراء إذا مــا الرمـاح
عنـــد التنـــاجز زدن اشــتجارا
كــــأنك تحســـبها نرجســـا
تديــر الذمــاء عليهــا عقــارا
تــريك الرمــاح القــدود انثنـاء
وتجــلو الصفـائح الخـدود أحـمرارا
إذا نـــار حـــربك ضرمتهـــا
حســبنا الأســنة فيهــا شــرارا
ســتلقى فعــالك يــوم الحســاب
تنــثر بالمســك منــك انتثــارا
وللشــــهداء ثنــــاء عليـــك
بحســـن مقـــامك ذاك النهــارا
وأنهــــــم يستبشــــــرون
ألا تخـــــاف وألا تضـــــارا
وبعد انتهاء تلك الموقعة بايع ابن تاشفين ملوك الأندلس وأمراؤها ، وسلموا عليه بأمير المسلمين ، وكان يدعي بالأمير ، وقد أراد بعض أشياخ المرابطين أن يحملوه على اتخاذ سمة الخلافة فأبى واكتفى بلقب أمير المسلمين . وبعد أن ملك الأندلس أرسل إلى الخليفة المستظهر بالله العباسي سفيرين وهما عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي ، وحملهما هدايا إلى الخليفة وكتابا بما فتح الله عليه وطلب تقليده الولاية ، فبعث إليه الخليفة بمرسوم الولاية ، فانضوى تحت لواء الخلافة العباسية ، وذكر في السكة التي ضربها اسم الخليفة العباسي . عاد إلى مراكش بعد وقعة الزلاقة فقد بلغه وفاة ابنه أبي بكر وكان قد أنابه عنه ، ولم يلبث في مراكش إلا زمنا قليلا أعد خلاله جيشا كبيرا وكان في عزمه أن يستولي على الأندلس ويقضي على دول الطوائف لما عاين من تفكك الروابط بينهم ، وتربص كل منهم بالآخر يريد أن ينقض عليه مستعيا بملوك النصارى وأمرائهم . وفي سنة 481 هـ اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثانية فاستولى على غرناطة ومالقة وقبض على أميريهما وهما عبد الله بن بلقين بن باديس ، أمير غرناطة وأخاه تميما أمير مالقة ، وأرسلهما إلى أفريقية ليسجنا في قلعة أغمات . وعاد ابن تاشفين بعد ذلك إلى مراكش وخلف الجيش الذي قدم به إلى الأندلس وولى قائده سير بن أبي بكر قيادته . وقد تقسم الجيش إلى أربع فرق ، كل فرقة تحت إمرة قائد خاص بها لتقاتل أمراء الطوائف وتنهي حكمهم ، وتقرر أن تضرب الضربة الأولى على أقواهم وأشدهم بأسا وهو المعتمد بن عباد أمير إشبيلية وما ضمت إمارته من مدن قرمونة واستجة وقرطبة ومرسية وبلنسية فيفضي سقوطها إلى سقوط الآخرين . وسارت الفرقة الأولى نحو إشبيلية ، ولما علم المعتمد بذلك استنجد بالأمير القشتالي الكونت (جومز) فجاء على رأس جيش قرطبة فكان الفوز لجيش المرابطين ، ولم يجد المعتمد بدأ من الاستسلام فاستسلم وسلم المدينة إلى إبراهيم ابن إسحاق قائد جيش المرابطين ، وسيق المعتمد مع نسائه وأبنائه في سفينة أعدت في نهر تاجا ، ونقلوا إلى أغمات بإفريقية وسجنوا في قلعتها (راجع ترجمة المعتمد المتوفي سنة 488 هـ) . أما فرق الجيش الأخرى فقد استولت على بقية الإمارات وأنهت حكم دولها وبذلك انقضى عهد ملوك الطوائف . ولما تم الاستيلاء على أسبانيا الإسلامية على يد المرابطين اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة سنة 496 هـ (1103م) لكي يعني بتنظيم شئونها وصحب معه ابنه عليا . وفي قرطبة دعا ابن تاشفين القادة والولاة وزعماء القبائل المغربية إلى اجتماع أعلن فيه توليته العهد إلى ابنه علي وكتبت بذلك وثيقة أشهد عليها المجتمعين فبايعوا عليا ، وعاد ابن تاشفين إلى مراكش وخلف ابنه عليا في الأندلس وولاه حاكما عليها ، وقد أمضى ابن تاشفين السنين الباقية من حياته في قصره بمراكش ، وقد تقدمت به السن وأضعفته الشيخوخة فتوفي في المحرم سنة 500 هـ عن عمر يقارب المائة سنة بعد حياة طويلة وحكم حافل بجلائل الأعمال .