تقارير صحفية أ ن مرشحي الرئاسة الأمريكية تسابقوا إلى تهنئة إسرائيل في ذكرى تأسيسها ، مؤكدين على يهودية إسرائيل ، ومثنين على مؤسسي
الحركة الصهيونية ، وتعهدوا بمواصلة الدعم الكامل لإسرائيل ، كما ضمنوا تهانيهم عبارات باللغة العبرية تعبيراً عن القيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة
ستون عاما... ولن ننسى
المخيمات الفلسطينية... رمز المعاناة الممتدة على مدار سنة عقود، وهي في ذات الوقت رمز الجهاد والمقاومة، والثبات والتمسك بالحق.
ستون عاما ولازال الكبار يحتفظون بالمفاتيح والأوراق الثبوتية، فيرثها جيلٌ بعد آخر، وعلى الرغم من حجم الألم، إلا أن الثقة مطلقةٌ بقرب يوم الخلاص من المحتل الصهيوني.
التقرير التالي يُسَلِّطُ الضوء على بعض هذه المخيمات في قطاع غزة.
الشاطئ
مخيم الشاطئ تعانق منازله الضيقة أمواج البحر، التي تنقل معها أخبار الأرض التي عاش فيها الآباء والأجداد. شوارع وأزقة المخيم تتحدث عن الحنين للقرية، والشوق لترابها... مائها... هوائها، كما تروي تفاصيل رحلة اللجوء المرة.
أكثر من (80) ألف نسمة يُقيمون في هذا المخيم، الذي لا تتجاوز مساحته الثلاثة كيلو مترات مربعة، تربطهم علاقات وثيقة ببعضهم، يتذاكرون يوميا أجمل أيام العمر.
يقول حمزة حسونة _من قرية حمامة_ "كنا نعيش بأمن وأمان في أرضنا، إلى أن جاءت عصابات "الهجاناه" التي عاثت في الأرض فسادًا، كانوا يجمعون الكبار في مكان واحد، ثم يطلقون النار عليهم".
ويضيف حسونة قائلا: "حقدهم كان كبيرًا جدًّا علينا، فقد بقروا بطون الحوامل، حتى إن مختار قريتنا خرج ليتفاهم معهم، فأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا على الفور"!
أما محمد جابر -من قرية بيت جرجا- فيقول: "كنا نعيش أحلى حياة في قريتنا، نزرع ونأكل تلك الثمار الطيبة... يوم هناك بمائة يوم هنا"!
وردًّا على سؤال لنا: إذا ما كان مُصِرًّا على العودة، قال: "نعم، أحلم بالعودة، ومُصِرٌّ عليها، فهذا حقي، ولن أتنازل عنه مطلقا".
تجوَّلْنَا في المخيم، الذي يروي فصول المعاناة والحرمان... هنا يلتقي الصغار والكبار، فيدور الحديث عن العادات والتقاليد، وعن غَدر الاحتلال الصهيوني، وعن بطولات المقاومة، ثم تُختَمُ الجِلسةُ بوصيةٍ من الجد للأبناء والأحفاد.
عثمان أبو ريالة -من قرية حمامة-حدَّثَنَا عن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، التي كانت تلقي القنابل على الناس، وتُفَجِّر براميل البارود فتقتل العشرات، ثم انتقل للحديث عن المقاومة التي تصدت للإرهاب الصهيوني، فصمدت إلى أن غلبت الكثرة الشجاعة، ثم يقول: "لقد قتل اليهود سبعة من الفدائيين آنذاك".
وانتقل بالحديث إلى ضفة الحب فتحدث عن عشقه للأرض، وولعه بها، وأمله بالعودة.
سألناه : هل تذكر أرضك تماما، فيما لو عدت لها الآن.. هل ستعرفها؟
فأجاب: ومَن ينسى أرضه؟!... صَمَتَ بُرهةً.. احمر وجهه، وترقرق الدمع في عينيه، ثم قال: "الأرضُ كالعِرض، الأرض غالية، الأرض أغلى من الروح، واللهِ أعرفها بالشبر، وأعرف بيوتها وأراضيَها بدقة"!
وقبل أن نغادر مجلس الحاج أبو ريالة، الذي اجتمع فيه بأخيه وابنه وحفيده، أوصاهم جميعا بالأرض، وقال: "إياكم والتفريطَ بحقكم، إن شاء الله سنعود لها، إن لم يكن اليوم فغدا، وإن لم أكن معكم فسأسلمكم الأوراق والمفاتيح، الأرض أمانة في أعناقكم".
يتميز المخيم بمشاركته الفاعلة في الجهاد والمقاومة خلال سنوات الانتفاضة، واليوم يمثل منزل رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ابن قرية الجورة، معْلَمًا بارزًا فيه؛ ليكون دليلا على عدم تفريط الشعب الفلسطيني بحق العودة.
دير البلح
يشتهر المخيم بشجر النخيل المنتشر بكثرة في شوارعه. ويعد المخيمَ الأصغر في قطاع غزة؛ إذ يغطي مساحة 160000 متر مربع بجوار البحر، وسط قطاع غزة وغرب مدينة دير البلح.
الحاج حامد الحولي يقطن في هذا المخيم بعد أن هجر من بلدة "يبنا"، التي اشتُهِرَت بزراعة أشجار البرتقال.
في ذكرى النكبة يجلس الحاج حامد في مجلسه هو ورفقاء الهجرة، يشربون القهوة العربية، ويأكلون التمر، ويتذكرون ما حل بديارهم.
يقول الحاج حامد: "كان في القرية آلات لإخراج الماء وسقاية الأراضي، وكنا نزرع الحمضيات، كان الماء عذبا والطعام رائعا! لكن الاحتلال لم يرق له هذه الحياة الهانئة التي كنا نعيشها، فجاءت العصابات الصهيونية، وكانت تذبح سُكَّانَ كلِّ قرية، إلى أن وصلت إلى قريتنا. أذكر يومًا أن الطائرات أطلقت الرصاص (رصاص كبير جدا) علينا، وقد كنا مجتمعين في أحد الأماكن، فانبطح هذا أرضًا، واختبأ ذاك من إطلاق النار، وقد نجوت بأعجوبة يومها"!
قصائد الشعر التي تزيد من شوقهم وحنينهم للمدن والقرى التي هُجِّرُوا منها، لم تزل حاضرة على الدوام في هذا المجلس.
خان يونس
يقع شمال شرق مدينة خانيونس، ويبلغ عدد سكانه حوالي 49680 نسمة داخل المخيم.
كان لنا لقاء بأحد سكان هذا المخيم، الحاج أحمد أبو الريش -من قرية عبدس إلى الشرق من المجدل-، التي اشتهرت بزراعة القمح والسمسم، وابتدأ كلامه بأنه لا يرى للحياة معنًى بدون الأرض.
ثم يستأنف قائلا: "السمسم الذي كنا نزرعه مثل الذهب، أما القمح فكنا نخزنه ويظل جيدا لسنين، هل يعقل أن نتنازل لليهود عن أرضنا؟! هل يعقل أن يصبح لليهود الذين جاءوا من أثيوبيا واليمن وأوربا وطن، وأنا مشتت، مع أن هذا وطني"؟!
ويتابع قائلا: "إن الشهيد الذي يضحي بنفسه دليل على تمسكنا بالأرض، وسنعود إلى أرضنا يوما ما".
أما زوجته التي تحتفظ بالثوب الفلسطيني المزركش بألوان العزة والكرامة، تصنعه إلى اليوم بيدها، وتقول: "والله لو أعطوني ملء هذا البيت ذهبًا لا أبادله بجزء بسيط من السمسم"!
مع كل إشراقه شمس يستنشق أهل هذه المخيمات عبير العودة، وعند غروبها يصطدمون بواقع بقائهم هنا، لكنهم مؤمنون بأن يوم النصر قادم لا ريب فيه، وقد بات قاب قوسين أو أدنى.