ثورة 23 يوليو ودورها فى تاريخ الجيش المصرى
>>>> الجيش المصرى قبل ثورة 23 يوليو ....!!!
ابتدأت مصر بإنشاء جيش حديث قوى يضارع أقوى الجيوش العالمية مع مطلع تاريخها الحديث بتولي محمد على باشا حكمها عام 1805 م
والذى اتخذ خطوات سريعة فى سبيل تنفيذ ذلك حتى بلغ تعداد الجيش المصرى فى عام 1839 م ما يقرب ربع مليون جندى فى وقت كان تعداد مصر كلهاحوالى ثلاثة ملايين نسمة فقط ...!!!
وقد تكون هذا الجيش من 54 لواء (مشاه ومدفعيه وفرسان) اى حوالى 15 فرقة عسكرية ...!!
كما أصبح الأسطول المصرى ثالث أسطول فى العالم من حيث القوة القتالية بعد الأسطولين البريطاني والفرنسي وقد نتج عن تلك النهضة الشاملةللجيش المصرى أن أصبح أقوى جيوش المنطقة كلها وحقق انتصارات فى كل من اليونان والجزيرة العربية والسودان والشام بل تمكن أيضا من إيقاع هزيمة ساحقة للجيش التركي فى عام 1839 م مما فتح الطريق أمامه إلى اسطنبول العاصمة التركية فى هذا الوقت ..وقد أدى ذلك إلى شعور أوربا بالخطر على مصالحها من القوة العسكرية المصرية الصاعدة التى فرضت نفسها على الخريطة السياسية .
**لذلك سارعت بعقد مؤتمر لندن عام 1840 م للوقوف ضد مصر وجيشها واجبار مصر على التخلي عن جميع الاراضى التي اكتسبتها مع تحديد عدد وتسليح الجيش بما لا يزيد عن( 18000 جندى ) حتى لا تستغل مصر جيشها مرة ثانية فى إعادة سيطرتها على المنطقة وتحدى الدول الأوربية ...
وبذلك تراجعت تلك النهضة العسكرية المصرية حتى تولى حكم مصر الخديوي إسماعيل عام 1863 م والذى تمكن عن طريق مفاوضات مع تركيا رفع الحظر المفروض على عدد وتسليح الجيش ووصل عدد الجيش المصرى عام 1866 م إلى حوالى 28 لواء (مشاه ومدفعية وفرسان) وأيضا وضع القانون العسكرى المصري وإنشاء هيئة أركان حرب للجيش
**وقد أدى هذا التصاعد الجديد فى القوة العسكرية المصرية إلى قلق الدول العظمى على مصالحها في المنطقة ...فاستغلت بريطانيا الأزمة المالية فى مصر للمطالبة بالحكم النيابي وقامت بالهجوم على مصر وتمكنت من احتلالها ودخول قواتها القاهرة في 15 سبتمبر عام 1882 م وكان أول القرارات التي حددت بعد الاحتلال البريطاني هو قرار حل الجيش المصرى كله وإلغاءه بالكامل في 19 سبتمبر عام 1882 م ....!!
ومنذ هذا التاريخ ولمدة تزيد عن سبعين عاماً فرضت بريطانيا نفسها على القوات المسلحة المصرية فتم إنشاء جيش هزيل مع تعيين كل قادته من الضباط البريطانيين وفى عام 1884 م الغيت البحرية المصرية كلها كما أقفلت المعاهد العسكرية وأيضا جميع مصانع الأسلحة بدعوى انه لا حاجه إلى إنتاجها لان بريطانيا أصبحت مسئولة عن الدفاع عن مصر .
وعقب ثورة عام 1919 م ضد الاحتلال البريطاني اضطرت بريطانيا الى إصدار تصريح 28 فبراير عام 1922 م بالموافقة على حصول مصر على استقلال صوري عدا تحفظات أربعة سلبها مضمون هذا الاستقلال لعل من أهمها مسئولية بريطانيا فى الدفاع عن مصر ضد اى اعتداء اجنبى وكان هذا يعنى من وجهه النظر البريطانية أن يكون لها السيطرة على الجيش المصرى حيث اتبعت تجاهه سياسة عدم تسليحه ليظل فاقد الفعالية بما يعطيها المبرر لاستمرار احتلالها لمصر ....!!!
وبظهور احتمالات نشوب حرب عالمية نتيجة توتر الموقف السياسي فى أوربا عقب تولى هتلر السلطة فى ألمانيا عام 1933 م أجبرت بريطانيا مصر على توقيع معاهدة تحالف معها عام 1936 م أعطت مصر مساحة أكثر فى الاستقلال السياسي إلا إنها اشترطت على أن يكون تسليح الجيش المصرى مماثل للجيش البريطاني ويعنى هذا أن لا تشترى مصر السلاح الأمن بريطانيا وبالتالي ظلت بريطانيا مسيطرة على الجيش وحرمته من إمكانية تطويره بالسلاح الحديث أو رفع قدراته القتالية .
>>>> الجيش المصرى بعد ثورة 23 يوليو ....!!!
وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 م دخلت مصر والمنطقة العربية كلها مرحلة سياسية جديدة تماماً فقد أعلنت الثورة ستة أهداف لها جاء إقامة جيش وطني قوى فى المرتبة الرابعة حيث أعلنت الثورة أن أولوية البناء فى الدولة للأساس الاجتماعي والاقتصادي والذي سيؤدى فيما بعد لبناء جيش قوى حقيقي ...!!!
وفى تلك الأثناء كان هناك ضغط على الدول العربية للدخول فى حلف دفاعي للمنطقة ضد الاتحاد السوفيتي وهو ما رفضته مصر حيث أعلنت وقوفها على الحياد فى الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وقادت حملة داخل الجامعة العربية لرفض الدخول فى اى أحلاف خارج نطاق الجامعة .. وقد أثمرت هذه الدعوة عن فشل استقطاب الدول العربية لدخول هذا الحلف المقترح والذي لم يدخله سوى العراق فقط وانضمت إليه كل من تركيا وإيران وباكستان تحت اسم حلف بغداد ... فما كان من مصر إلا إن قادت حملة ضد النفوذ والاستعمار بالكامل فى المنطقة العربية داعية إلى جلاء الاستعمار بالكامل عن العالم العربي كله...
**ولم يجد الغرب أمامه وسيله لإيقاف الثورة المصرية وتحجيمها بعد أن لاقت تأييدا واسعا لدى الراى العام العربي إلا بالضغط على إسرائيل للقيام بإغارة عسكرية ضد القوات المصرية فى مدينة غزة يوم 28 فبراير عام 1955 م وكان لتلك المفاجأة رد فعل عنيف لدى الراى العام العربي والمصري الذي طالب بالرد الفوري على إسرائيل مما أوقع الزعامة المصرية فى حرج شديد نظرا لضعف القدرات العسكرية المصرية وعدم استعدادها لذلك ..فكان أن اتخذت قرارا بتعديل ترتيب اولويات أهدافها وجعل إنشاء جيش قوى قادر ليس فقط على حماية مصر بل والعالم العربي كله ..هدفاً أوليا ورئيسياً ...!!!
**وبذلك يمكن اعتبار أن تلك الإغارة العسكرية المفاجئة ضد القوات المصرية منعطفا بالغ الأهمية بالنسبة للسياسة المصرية خاصة والعربية عامة فيما بعد .. فقد هددت مصر الدول الغربية بأنها إن لم يتم التعاقد معهم على شراء احتياجتها العسكرية فسوف تلجأ إلى المعسكر الشرقي للحصول على متطلبات أمنها ، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا رفضت الطلبات المصرية ...!!
ولم يكن أمام مصر واحتمالات أغارات إسرائيلية أخرى فى المستقبل واردة مع ضعف القدرات العسكرية وقلة قطع الغيار والذخيرة المطلوبة إلا أن تلجأ إلى الاتحاد السوفيتي فى ابريل عام 1955 م عن طريق وزير الخارجية الصيني أثناء مؤتمر( باندونج) باندونيسيا ،،وقد جاءت الموافقة المبدئية من الاتحاد السوفيتي فى 21 مايو عام 1955 م .
وتم إعداد قائمة المعدات العسكرية المطلوبة وسافرت بها بعثة عسكرية مصرية إلى تشيكوسلوفاكيا حيث تم توقيع الصفقة وكانت بقيمة 103 مليون جنيه مصري تسدد على خمس سنوات عن طريق المقايضة بالأرز والقطن المصرى ، وجاء توقيع الصفقة مع تشيكوسلوفاكيا وليس مع الاتحاد السوفيتي وذلك لتخفيف رد الفعل الغربي المنتظر وباعتبار أن تشيكوسلوفاكيا سبق ووقعت مع إسرائيل منذ ست سنوات سابقة فى عام 1949 م صفقة أسلحة مماثلة ...!!!
ويعتبر توقيع تلك الصفقة حدثا سياسيا بالغ الأهمية فى التاريخ المعاصر ليس لمصر فقط بل أيضا للعالم العربي ودول العالم الثالث ، فالأول مرة منذ عشرات السنوات تتحرر دولة من دول العالم الثالث من احتكار الغرب لسوق السلاح ومنعه عنهم ولذلك كان رد فعل الغرب عنيفا ضد مصر حيث أدى فيما بعد إلى سحب عرض تمويل السد العالي ثم تجميد الأرصدة المصرية فى الخارج عقب تأميم قناة السويس فى 26 يوليو عام 1956 م ونهاية بالعدوان الثلاثي المسلح على مصر فى 29 أكتوبر عام 1956 م بواسطة كل من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا .. إلا انه فى نفس الوقت قوبلت الصفقة بالتأييد الساحق والمنقطع النظير من العالم العربي ودول العالم الثالث حيث فتح أمامهم الباب فى سوق السلاح لاستكمال قواتهم المسلحة وكسر سيطرة الغرب عليهم ولذلك شهد العالم فى نهاية حقبة الخمسينات وبداية الستينات تهاوى الاستعمار فى كل مكان وخاصة فى العالم العربي وأفريقيا واسيا وحصول كل دوله على استقلالها بالكامل وخروجها من تحت السيطرة والهيمنة الأجنبية ....!!!
**** وبالنسبة لمصر فقد كانت تلك الصفقة بكافة المقاييس إضافة هائلة لقدراتها العسكرية بما اشتملت عليه من معدات متطورة تدخل المنطقة لأول مرة مثل الغواصات والطائرات القاذفة وصواريخ الدفاع الجوى وغيرها ويكفى أن نذكر أن حجم القوات المسلحة المصرية تضاعف حوالي ثماني مرات فى خلال عشر سنوات منذ توقيع الصفقة عام 1955 م حتى عام 1965م
ولعل اخطر ما أحدثته تلك الصفقة وإنهاء احتكار السلاح على الصعيد السياسي المصرى والعربي ...
هي تلك الثقة التي تولدت لدى الشعب المصرى واعتزازه وإيمانه بقدرات قواته المسلحة وهو ما انعكس فى الوقفة البطولية التي وقفها الجيش والشعب ضد قوات العدوان الثلاثي عام 1956 م ثم هذا الامداد الكبير من المساعدات العسكرية المصرية إلى الثورات والشعوب العربية فى نضالها ضد الاستعمار وحصولها على الاستقلال .....!!!
مما سبق يتضح لنا الدور الهام لثورة 23 يوليو فى تاريخ الجيش المصرى بصفه خاصة والمنطقة العربية بصفه عامة ...!!